حفصُ بنُ سليمان الأسدي الكوفي ( ت 180 ه ) من تلاميذِ عاصمِ بن بهدلة بنِ أبي النجود الأسدي في القراءةِ ، وكان حجةً في القراءةِ ، ليس بشيءٍ في الحديثِ ، ولهذا قال عنهُ الذهبي في " معرفة القراءِ الكبارِ " (1/141) : " أما في القراءةِ فثقةٌ ثبتٌ ضابطٌ لها ، بخلافِ حالهِ في الحديثِ " .ا.ه.
أما عاصمُ بنُ أبي النجودِ انتهت إليه رئاسةُ الإقراءِ بالكوفةِ ، وكان صدوقاً في الحديثِ .
وأكتفي بهذا القدر من الوقفاتِ . واللهُ أعلمُ .
حرر في 3 - 5 - 1425 ه
الحديث الخامس
تخريجُ حديثِ : " لا يزال الجهاد حلواً خضراً ... "
الحمدُ للهِ وبعدُ ؛
يستدلُ بعضُ الناسِ على مسألةِ في الجهادِ بحديثٍ عن النبي صلى اللهُ عليه ، وفحوى الحديث أنه سيأتي على الناسِ زمانٌ لا يكونُ هناك شيءٌ يقالُ له : " جهادٌ " ، وفي هذه الأسطرِ سأبينُ حال الحديثِ من جهةِ ثبوتهِ وعدم ثبوتهِ .
أولاً : نصُ الحديثِ :
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزالُ الجهادُ حلواً خضراً ما أمطرت السماءُ وأنبتت الأرضُ ، وسينشو نشو من قبلِ المشرقِ يقولون : " لا جهاد ولا رباط أولئك هم وقودُ النارِ بل رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من عتقِ ألفِ رقبةٍ ، ومن صدقةِ أهلِ الأرضِ جميعاً " .
ثانياً : تخريجُ الحديثِ :
أخرجهُ ابنُ عساكرٍ في " تاريخِ دمشق " (43/347) : أخبرنا أبو الحسن الشافعي ، وأبو الحسن بن دريد قالا : أنا نصر بن إبراهيم زاد الشافعي ، وأبو محمد بن فضيل قالا : أنا أبو الحسن بن عوف ، أنا أبو علي بن منير ، أنا أبو بكر محمد بن خريم ، نا هشام بن عمار ، نا أبي : عمار بن نصير بن ميسرة بن أبان الظفري ، نا عباد بن كثير ، عن يزيد الرقاشي عن أنس به .
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً فيه :
1 – يزيدُ الرقاشي : هو يزيدُ بنُ أبان الرَّقَاشي أبو عمرو البصري القاص من زهادِ البصرةِ .
وكلامُ أهلِ العلم فيه طويل ، من ذلك :
قال البخاري : تكلم فيه شعبةُ . وقال أبو طالب : سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل يقول : " لا يكتبُ حديث يزيد الرقاشي . قلت له : فلم تُرك حديثهُ ، لهوى كان فيه ؟ قال : لا ، ولكن كان منكر الحديثِ . وقال : شعبةُ يحملُ عليه ، وكان قاصاً . وقال أبو حاتم : كان واعظاً بكاءً كثير الروايةِ عن أنس بما فيه نظرٌ ، صاحبُ عبادةٍ ، وفي حديثهِ ضعفٌ .
وقد لخص ابنُ حبان الكلامَ فيه فقال : " كان من خيارِ عبادِ اللهِ من البكائين في الخلواتِ والقائمين بالحقائق في السبراتِ ، ممن غفل عن صناعةِ الحديثِ وحفظها ، واشتغل بالعبادةِ وأسبابها حتى كان يقلبُ كلامَ الحسن فيجعله عن أنس وغيره من الثقات بطل الاحتجاجُ به ، فلا تحلُ الروايةُ عنه إلا على سبيل التعجب " .
2 – عبادُ بنُ كثير : يوجد اثنان بهذا الاسم عبادُ بنُ كثير الثقفي البصري ، وعبادُ بنُ كثير الرملي الفلسطيني الشامي ، ولم أجد في ترجمتهما روايةً عن يزيد الرقاشي ، والذي يغلب على ظني أنه الأولُ لأن الرقاشي بصري فيكون بلديهُ . فإن كان الأولُ فهو متروكُ الحديثِ ، والثاني لا يبعدُ عنه كثيراً .
ولو لم يكن في الإسناد إلا هذان الرجلان لكفى في ردِ الحديثِ عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وأوردهُ السيوطي في " جمع الجوامعِ " (1/929) وعزاهُ لابن عساكر وقال : " ضعفهُ " .
وقد جاء الحديث من طريقٍ آخر عند أبي عمرو الداني في " السنن الواردةِ في الفتنِ وغوائلها والساعة وأشراطها " (3/751 ح 371) مرسلاً من طريق محمد بن أبي محمد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سعيد ، قال حدثنا يوسف بن يحيى ، قال : حدثنا عبدالملك ، قال : حدثنا الطلحي ، عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه بلفظ : " لا يزالُ الجهادُ حلواً أخضر ، ما قطر القطرُ من السماءِ ، وسيأتي على الناسِ زمانٌ يقولُ فيه قراءٌ منهم : ليس هذا زمانُ جهادٍ ، فمن أدرك ذلك الزمان ، فنعم زمانُ الجهادِ ، قالوا : يا رسول الله ، واحدٌ يقولُ ذلك ؟ فقال : نعم ، من عليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين .
وهذا السندُ فيه عبدُ الرحمن بنُ زيد بن أسلم العدوي ضعفه سائرُ أهلِ العلم ولهذا قال ابنُ الجوزي : " أجمعوا على ضعفهِ " .
والعلةُ الأخرى الإرسال ، فزيدُ بنُ أسلم لم يرَ النبي صلى اللهُ عليه وسلم ، والمرسلُ من أقسامِ الضعيفِ كما قرر ذلك أهلُ العلم .
وقد ورد حديثٌ آخر بنفسِ المعنى عند أبي يعلى في " مسنده " (9/274 – 275) من طريق داود بنِ رشيد ، حدثنا بقيةُ بنُ الوليد ، عن علي بنِ علي ، حدثني يونس ، عن الزهري ، عن عبيدِ الله بنِ عبدِ الله ، عن ابنِ مسعود قال : جاءهُ رجلٌ فقال : أسمعتَ رسولَ اللهِ يقولُ في الخيلِ شيئاً قال : نعم ؛ سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يقولُ : " الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يومِ القيامةِ . اشتروا على اللهِ ، واستقرضوا على اللهِ " . قيل : " يا رسولَ الله ؛ كيف نشتري على اللهِ ونستقرضُ على اللهِ ؟ " ، قال : " قولوا أقرضنا إلى مقاسمنا وبِعْنا إلى أن يفتحَ اللهُ لنا ، لا تزالون بخيرٍ ما دام جهادكم خضراً ، وسيكونُ في آخرِ الزمانِ قوم يشكُّون في الجهادِ ، فجاهدوا في زمانهم ثم اغزوا فإن الغزو يومئذٍ أخضرُ .
قال محققُ مسندِ أبي يعلى عن الحديثِ : " إسنادهُ ضعيفٌ لانقطاعهِ ، عبيدُ اللهِ كان يرسلُ عن ابنِ مسعودٍ ، وبقيةُ بنُ الوليدِ مدلسٌ وقد عنعن . وذكرهُ الهيثمي في " المجمع " (5/280) وقال : " رواه أبو يعلى ، وفيه بقيةُ بنُ الوليدِ وهو مدلسٌ ، وبقيةُ رجاله ثقاتٌ " .
وبهذا يتبينُ أن الحديثَ بجميعِ طرقهِ لا يصحُ عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم ، وأن الجهادَ ماضٍ إلى يومِ القيامةِ ، وقد تمرُ بالأمةِ حالاتُ ضعفٍ يضعفُ معها أمرُ الجهادِ ، ولكن لا يعني أنه يمتنعُ بالكليةِ في جميعِ العصورِ والأزمان . والله أعلم .
حرر في 6 - 5 - 1425 ه
تخريجُ حديثِ : " كَمَا تَكُونُوا يُولَّى عَلَيْكُم "
الحمدُ للهِ وبعدُ ؛
نسمعُ كثيراً عبارةَ : " كَمَا تَكُونُوا يُولَّى عَلَيْكُم "
فهل هذهِ العبارةُ جاءت حديثاً عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم ؟
وما درجتهُ إن كانت حديثاً نبوياً من جهةِ الصحةِ أوالضعفِ ؟
جاءت هذهُ العبارةُ مرفوعةً إلى النبي صلى اللهُ عليه وسلم من طريقين :
الطريقُ الأولى :
روى القضاعي في " مسند الشهاب " (1/336) من طريقِ الكرماني بنِ عمرو ، ثنا المباركُ بنُ فضالة ، عن الحسنِ ، عن أبي بكرةَ ، عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال : " ثم كَمَا تَكُونُوا يُولَّى أو يُؤمرُ عَلَيْكُم " .
وفي هذا السندِ المباركُ بنُ فضالة ، قال عنهُ الحافظُ ابنُ حجر في " التقريب " : " صدوقٌ يُدلِّس ويُسوي " .
وتدليسُ التسويةِ من أسوءِ أنواعِ التدليسِ .
وقد تكلم عددٌ من أهلِ العلمِ في روايتهِ عن الحسنِ البصري .
قال نعيمُ بنُ حماد عن عبدِ الرحمن بنِ مهدي : لم نكتب للمباركِ شيئاً إلا شيئاً يقولُ فيه : " سمعتُ الحسنَ " .
وفي هذا السندِ لم يقل المباركُ بنُ فضالة : " حدثنا " .
قال المناوي في " فيض القدير " عن هذا السندِ (5/47) : " قال ابنُ طاهرٍ : " والمباركُ وإن ذُكر بشيءٍ من الضعفِ فالعمدةُ على من رواهُ عنهُ فإن فيهم جهالةً " .ا.ه.
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " تخريجه لأحاديثِ الكشافِ " (1/345) : " رواهُ القضاعي في مسندِ الشهابِ وفي إسنادهِ إلى مبارك مجاهيل " .ا.ه.
وقال العجلوني في " كشف الخفاء " (2/166) : " وأخرجهُ ابنُ جميع في معجمهِ ، والقضاعي عن أبي بكرةَ بلفظ : " يولى عليكم بدون شكٍ ، وفي سندهِ مجاهيلٌ " .ا.ه.
الطريقُ اثانيةُ :
رواها الديلمي في " مسند الفردوس " ، والبيهقي في " الشعب " كما رمز لهُ السيوطي في " الجامع الصغير " ، وذكر سندَهُ المناوي في " فيض القدير " (5/47) فقال : ( فر ) وكذا القضاعي كلاهما من حديثِ يحيى بنِ هاشم ، عن يونس بنِ أبي إسحاق ، عن أبيهِ ، عن جدهِ عن ( أبي بكرة ) مرفوعاً .
قال السخاوي : ورواية يحيى في عداد من يضع .
( هب ) من جهةِ يحيى بنِ هشامٍ ، عن يونس بنِ إسحاق ( عن أبي إسحاق ) عمرَ بنِ عبد الله ( السبيعي مرسلا ) بلفظ : " كما تكونوا كذلك يؤمر عليكم " ، ثم قال : " هذا منقطعٌ ، وراويهِ يحيى بنُ هشامٍ ضعيفٌ .ا.ه.
وقال العجلوني في " كشف الخفاء " (2/166) : " قال في الأصلِ : " رواهُ الحاكمُ ، ومن طريقهِ الديلمي عن ابي بكرةَ مرفوعاً ، وأخرجهُ البيهقي بلفظ : " يؤمر عليكم " . بدون شكٍ ، وبحذفِ أبي بكرة ؛ فهو منقطعٌ " .ا.ه.
وأورد هذا الحديثَ السيوطي في " الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة " ( ح 329 ) فقال : " حديثُ : " كما تكونوا يولى عليكم " .
ابنُ جميع في " معجمه " من حديثِ أبي بكرةَ ، والبيهقي في " الشعب " من حديثِ يونس بنِ أبي إسحاق ، عن أبيهِ مرفوعاً ، ثم قال : " هذا منقطعٌ " .ا.ه.
قال الشيخُ محمد لطفي الصباغ محققُ " الدرر " للسيوطي في الحاشيةِ : ضعيفٌ ...
وأوردهُ أيضاً المُلا علي القاري في " الأسرار المرفوعة " ( ح 281) ، والشوكاني في " الفوائد المجموعة " ( ح 624) وقال : " في إسنادهِ وضاعٌ . وفيهِ إنقطاعٌ " .ا.ه.
وجاء في " تذكرة الموضوعات " : " في سندهِ انقطاعٌ وواضعٌ هو يحيى بنُ هشام ، وله طريقٌ فيهِ مجاهيلٌ " .ا.ه.
وقال الزرقاني في " مختصر المقاصد الحسنة " ( ح 772 ) : " ضعيفٌ " .
وجاء في " أسنى المطالب " (1/221) : " فيهِ من يضعُ الحديثَ ، وهو يحيى بنُ هشامٍ ، ويروى من طريقٍ آخر مرسلاً " .ا.ه.
وقد ذكر الحديثَ العلامةُ الألباني في " الضعيفة " (320) ، و " ضعيف الجامع " (4275) ، و " المشكاة (3717) ، وقال : " ضعيفٌ " .
أثرٌ عن الحسنِ البصري :
قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " عند حرفِ الكافِ : وعند الطبراني معناهُ من طريقِ عمرَ وكعبِ الأحبارِ والحسنِ فإنهُ سمع رجلاً يدعو على الحجاجِ فقال له : " لا تفعل إنكم من أنفسكم أُتيتم ، إنا نخافُ إن عُزل الحجاجُ ، أو مات أن يستولي عليكم القردةُ والخنازيرُ ، فقد روي أن أعمالكم عمالكم ، وكما تكونون يولى عليكم " .
وقد بحثتُ عنهُ في معاجمِ الطبراني الثلاثةِ بهذا اللفظِ فلم أجدهُ .
فوائد في ثنايا البحثِ :