تهتم مختلف التشريعات في مجال الوظيفة العمومية بتوفير الضمانات الضرورية لحماية حقوق الموظف سواء منها الحقوق المادية أو المعنوية ، وذلك تأمينا لاستقرار أوضاعه ، و اكتساب ثقته في الإدارة و طمأنته على مستقبله ، وتحفيزه للأداء الأفضل .
وحتى تكون الضمانات إياها قائمة على أساس ، فإن المشرع يصوغها على شكل قواعد ونصوص قانونية واضحة ، يشكل البعض منها امتيازات وظيفية تخص الموظفين دون غيرهم .
وتشمل هذه الحقوق و الامتيازات الوظيفية الحق في الأجرة و التعويضات و الترقية و العطل ، و الحق في المعاش التقاعدي .
وثمة حقوق أخرى قررت لمصلحة الموظف ، الغاية منها حمايته من شطط الإدارة في استعمال سلطتها ، كحقه في مواجهة القرارات الإدارية غير المشروعة بالطعن الإداري أو القضائي ، وكذلك حقه من الاستفادة من الاستيداع الإداري ، وتقديم استقالته كلما توافرت شروطها ، وفي مقدمتها انتفاء التعارض مع المصلحة العامة .
و لا ريب أن أهم الحقوق التي أقرها القانون للموظف هي الحقوق المالية باعتبار وظيفتها الاجتماعية و المهنية ، فهي من ناحية تجعل الموظف يطمئن على مستقبله المعيشي ، ومن ناحية ثانية تحفزه على الأداء الجيد وتطوير مهاراته ، لذلك فإن المساس بها دون مراعاة الضمانات التي يقررها القانون لفائدة الموظف ، يعد انتقاص من وضعه القانوني ومركزه المالي ، و بالتالي إخلال بالتزامات الإدارة إزاء الموظف .
وقد لوحظ أن الممارسة العملية للإدارة في مجال الحقوق المالية كثيرا ما يشوبها نوع من التجاوز ، أو عدم التقيد بالمقتضيات القانونية ، الأمر الذي تنجم عنه أحيانا آثار مادية سلبية على حياة الموظف و عائلته ، وليس أدل على ذلك إقدام الإدارة في غالب الأحيان على خصم التعويضات القارة من أجرة الموظف في وضعية رخصة مرض قانونية ، وهو تصرف دأبت عليه الإدارة المغربية في هذه الحالات .
ولذلك يتمحور هذا الموضوع حول الحماية القانونية التي أسبغها المشرع على الأجر ، اقتطاع جزء من أجرة الموظف المتغيب بسبب مرض ، لنصل إلى نتيجة من خلالها يمكن الحكم على شرعية هذا الاقتطاع ، ومدى اتساقه مع أحكام الوظيفة العمومية .
وسيكون من المفيد الانطلاق في البداية من تعريف الأجرة ، وعناصرها ، و الضمانات المقررة لحمايتها من تعسف الإدارة ، ثم بعد ذلك التطرق إلى العمل القضائي بالنسبة لهذه المسألة .
I ـ تعريف الأجرة
كما سبقت الإشارة فإن من أهم المزايا الوظيفية التي يتمتع بها الموظف الأجرة التي يتقاضاها مقابل الخدمات التي يؤديها لفائدة الدولة .
و حسب المادة 26 من الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 04 شعبان 1377 (24 فبرير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ، تعرف الأجرة بكونها تشتمل على المرتب و التعويضات العائلية و غيرها من التعويضات و المنح المحدثة بمقتضى النصوص التشريعية و التنظيمية .
ويتحدد المقابل المالي للأجرة بالنظر إلى نوعية العمل الوظيفي ودرجة الموظف و أقدميته ومؤهلاته العلمية ، كما من المفترض أن يتلاءم الأجر مع تكاليف المعيشة بما يضمن للموظف و أسرته وضعا معيشيا لائقا.
ووفقا للمادة 26 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية ، فإن عناصر الأجرة هي :
ـ المرتب
ـ التعويضات
1) المرتب
يعد المرتب المكون الأساسي للأجرة ويتكون من الراتب الأساسي و التعويض عن الإقامة .
أ ـ الراتب الأساسي : وتتحدد قيمته تبعا لترتيب الموظف في جداول الأرقام الاستدلالية ، ولا تدخل في احتسابه الإضافات الأخرى التي تتمثل في التعويضات المختلفة حسب نوعية العمل و أعبائه و الحالة الاجتماعية .
ب ـ التعويض عن الإقامة : يمنح هذا التعويض حسب المنطقة التي يقع فيها تعيين الموظف .
2) التعويضات
تعد التعويضات من الحقوق المالية الأساسية للموظف المقررة بنص القانون ، وهي كما سلفت الإشارة إحدى العناصر المكونة للأجرة . ويمكن تصنيفها حسب فئتين :
* فئة التعويضات القارة :
تعتبر التعويضات القارة نوعا من الإضافة التكميلية للراتب ، وتختلف قيمتها حسب درجة الموظف ونوعية وظيفته و إطاره ، ويمكن القول أنها لا تخضع لنظام قانوني محدد ، فهي تتباين تبعا للوضع الإداري للموظف و الهيأة التي ينتمي إليها .
* التعويضات العرضية
تصرف هذه التعويضات للموظف لإعانته الاحتماعية ، أو مواجهة أعباء خاصة ترتبط بطبيعة عمل الوظيفة أو صعوباتها أو مهامها ، وتندرج ضمنها على سبيل المثال لا الحصر ، التعويضات العائلية و التعويض عن المهام ، و التعويضات عن التنقل ، و التعويضات عن الأعمال الإضافية ، و أحيانا أخرى يضاف إلى التعويضات بعض الامتيازات العينية كالسكن الإداري و سيارة الدولة ...
II ـ الحماية القانونية للمرتب
لئن كان المرتب حقا مكتسبا للموظف لا يمكن أن يخضع لأي تغيير أو تعديل بالنقصان إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون ، فإنه مع ذلك يمكن للإدارة ، عند الاقتضاء و في أي وقت تشاء ، مراجعة نظام الأجور بتعديل قيمة المرتبات دون أن يمنح ذلك أي حق للموظف بالاحتجاج عليها بدعوى وجود حق مكتسب ، طالما أن هذه المراجعة و التغيير تكتسي أيضا صبغة عامة و مجردة ، ومادام الموظف أيضا يوجد دائما في وضعية نظامية إزاء الإدارة ، التي تنسحب فيما تنسحب عليه ، على مركزه تجاه مرتبه الذي لا يعدو أن يكون مركزا نظاميا كذلك .
و القاعدة العامة ، أن المرتب يصرف للموظف مقابل العمل الذي ينجزه لصالح الدولة طبق لأحكام النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل التي تربط استحقاق المرتب بقيام العلاقة الوظيفية بين الموظف و الإدارة ، فإن انفصمت هذه العلاقة أو انتهت الخدمة لسبب ما ، كبلوغ الموظف حد السن القانوني الموجب للتقاعد ، و العزل ، و الإعفاء ، و الوفاة ، أو غير ذلك من الأسباب المؤدية إلى الحذف من الأسلاك و إلى فقد صفة الموظف ، نتج عن ذلك بالتبعية توقف استحقاق المرتب فورا ، وبمعنى آخر ، فإن تأدية العمل شرط لازم لاستحقاق المرتب ، غير أنهه توجد أوضاع إدارية يكون فيها الموظف في وضعية القيام بالوظيفة على الرغم من عدم مزاولة وظيفته بصفة فعلية ، إذ ليس المقصود بتأدية الخدمة أن يزاول الموظف بصورة فعلية المهام المنوطة به ، و إنما المقصود هو أن يوجد من الناحية القانونية في وضع الاستعداد لأداء مهامه الوظيفية متى ظهرت ، و من الأمثلة على ذلك أن الموظف الذي صدر في حقه قرار يقضي بتوقيفه عن العمل ، ولم تتم تسوية وضعيته داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ التوقيف ، فإنه يتقاضى من جديد مرتبه بأكمله .
كما أن الموظف الذي توبع قضائيا بتهمة جناية ، ثم برئت ساحته ، ولم يصدر عليه أي عقاب جنائي