نزار قباني
جريمة
شرف أمام المحاكم العربية
1
...
وفقدتَ يا وطني البكارهْ
لم يكترثْ أحدٌ ..
وسُجّلتِ الجريمةُ ضدَّ مجهولٍ ،
وأُرخيتِ السّتارهْ
نسيتْ قبائلُنا أظافرَها ،
تشابهتِ الأنوثةُ والذكورةُ في وظائفِها ،
تحوّلتِ الخيولُ إلى حجارهْ ..
لم تبقَ للأمواسِ فائدةٌ ..
ولا للقتلِ فائدةٌ ..
فإنَّ اللحمَ قد فقدَ الإثارهْ ..
2
دخلوا علينا ..
كانَ عنترةُ يبيعُ حصانهُ بلفافتَيْ تبغٍ ،
وقمصانٍ مشجَّرةٍ ،
ومعجونٍ جديدٍ للحلاقةِ ،
كانَ عنترةُ يبيعُ الجاهليّهْ ..
دخلوا علينا ..
كانَ إخوانُ القتيلةِ يشربونَ (الجِنَّ)
بالليمونِ ،
يصطافونَ في لُبنانَ ،
يرتاحونَ في أسوانَ ،
يبتاعونَ من (خانِ الخليليِّ) الخواتمَ ..
والأساورَ ..
والعيونَ الفاطميّهْ ..
3
ما زالَ يكتبُ شعرهُ العُذريَّ ، قَيسٌ
واليهودُ تسرّبوا لفراشِ ليلى العامريّهْ
حتى كلابُ الحيِّ لم تنبحْ ..
ولم تُطلَقْ على الزاني رصاصةُ بندقيّهْ
" لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ " !
ونحنُ ضاجعنا الغزاةَ ثلاثَ مرّاتٍ ..
وضيّعنا العفافَ ثلاثَ مرّاتٍ ..
وشيّعنا المروءةَ بالمراسمِ ، والطقوسِ
العسكريّهْ
" لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ " !
ونحنُ غيّرنا شهادَتنا ..
وأنكرنا علاقَتنا ..
وأحرقنا ملفّاتِ القضيّهْ ..
4
الشمسُ تشرقُ مرّةً أخرى ..
وعُمّالُ النظافةِ يجمعونَ أصابعَ الموتى ،
وألعابَ الصّغارْ
الشمسُ تشرقُ مرّةً أخرى ..
وذاكرةُ المدائنِ ،
مثلُ ذاكرةِ البغايا والبحارْ
الشمسُ تشرقُ مرّةً أخرى ،
وتمتلئُ المقاهي مرّةً أخرى ،
ويحتدمُ الحوارْ
- إنَّ الجريمةَ عاطفيّهْ
- إنَّ النساءَ جميعهنَّ مغامِراتٌ ،
والشريعةُ
عندنا ضدَّ الضحيّهْ ..
- يا سادتي : إنَّ المخطّطَ كلَّهُ من صنعِ
أمريكا،
وبترولُ الخليجِ هو الأساسُ ، وكلُّ ما
يبقى
أمورٌ جانبيّهْ
- ملعونةٌ أمُّ السياسةِ .. نحنُ نحبُّ أزنافورَ
،
والوسكيَّ بالثلجِ المكسّرِ ، والعطورَ
الأجنبيّهْ
- إنَّ النساءَ بنصفِ عقلٍ ، والشريعةُ عندَنا
ضدَّ الضحيّهْ
5
العالمُ العربيُّ ، يبلعُ حبّةَ (البثِّ
المباشرْ) ..
(يا عيني عالصبر يا عيني عليهْ)
والعالمُ العربيُّ يضحكُ لليهودِ القادمينَ
إليه
من تحتِ الأظافرْ ..
6
يأتي حزيرانُ ويذهبُ ..
والفرزدقُ يغرزُ السكّينَ في رئتَيْ جريرْ
والعالمُ العربيُّ شطرنجٌ ..
وأحجارٌ مبعثرةٌ ..
وأوراقٌ تطيرْ ..
والخيلُ عطشى ،
والقبائلُ تُستجارُ ، فلا تُجيرْ ..
(الناطقُ الرسميُّ يعلنُ أنهُ في السّاعةَ
الأولى وخمس دقائق ،
شربَ اليهودُ الشايَ في بيروتَ ، وارتاحوا
قليلاً في فنادقها ،
وعادوا للمراكبِ سالمينْ)
- لا شيءَ مثلَ (الجنِّ) بالليمونِ .. في زمنِ
الحروبِ
- وأجملُ الأثداءِ ، في اللمسِ ، المليءُ
المستديرْ ..
(الناطقُ الرسميُّ يعلنُ أنّهم طافوا بأسواقِ
المدينة ،
واشتروا صُحفاً وتفّاحاً ، وكانوا يرقصونَ
الجيركَ في حقدٍ ،
ويغتالونَ كلَّ الراقصينْ)
- إنَّ السّويدياتِ أحسنُ من يمارسنَ الهوى
- والجنسُ في استوكهولمَ يُشربُ كالنبيذِ على
الموائدْ ..
- الجنسُ يُقرأُ في السّويدِ مع الجرائدْ
(الناطقُ الرسميُّ يعلنُ في بلاغٍ لاحقٍ ،
أنَّ اليهودَ تزوّجوا زوجاتِنا ، ومضوا بهنَّ
.. فبالرفاهِ وبالبنينْ)
7
العالمُ العربيُّ غانيةٌ ..
تنامُ على وسادةِ ياسمينْ
فالحربُ من تقديرِ ربِّ العالمينْ
والسّلمُ من تقديرِ ربِّ العالمين ْ
8
قرّرتُ يا وطني اغتيالَكَ بالسفَرْ
وحجزتُ تذكرتي ،
وودّعتُ السّنابلَ ، والجداولَ ، والشَّجرْ
وأخذتُ في جيبي تصاويرَ الحقولِ ،
أخذتُ إمضاءَ القمرْ
وأخذتُ وجهَ حبيبتي
وأخذتُ رائحةَ المطرْ ..
قلبي عليكَ .. وأنتَ يا وطني تنامُ على حَجَرْ
9
يا أيّها الوطنُ المسافرُ ..
في الخطابةِ ، والقصائدِ ، والنصوصِ
المسرحيّهْ
يا أيّها الوطنُ المصوَّرُ ..
في بطاقاتِ السّياحةِ ، والخرائطِ ، والأغاني
المدرسيّهْ
يا أيّها الوطنُ المحاصَرُ ..
بينَ أسنانِ الخلافةِ ، والوراثةِ ، والأمارهْ
وجميعِ أسماءِ التعجّبِ والإشارهْ
يا أيّها الوطنُ ، الذي شعراؤهُ
يضَعونَ - كي يُرضوا السّلاطينَ -
الرموشَ المستعارهْ ..
10
يا سيّدي الجمهورَ .. إنّي مستقيلْ
إنَّ الروايةَ لا تُناسبني ، وأثوابي مرقّعةٌ
،
ودَوري مستحيلْ ..
لم يبقَ للإخراجِ فائدةٌ ..
ولا لمكبّراتِ الصوتِ فائدةٌ ..
ولا للشّعرِ فائدةٌ ، وأوزانِ الخليلْ
يا سيّدي الجمهورَ .. سامحني ..
إذا ضيّعتُ ذاكرتي ، وضيّعتُ الكتابةَ
والأصابعْ
ونسيتُ أسماءَ الشوارعْ ..
إني قتلتُكَ ، أيّها الوطنُ الممدّدُ ..
فوقَ أختامِ البريدِ .. وفوقَ أوراقِ الطوابعْ
..
وذبحتُ خيلي المُضرباتِ عن الصهيلْ
إنّي قتلتُكَ .. واكتشفتُ بأنني كنتُ القتيلْ
يا سيّدي الجمهورَ .. سامحني
فدَورُ مهرّجِ السّلطانِ .. دَورٌ
مستحيلْ