تحديد للمشاكل التعليمية التي تعيق سيرورة التعليم المغربي لا يمكن
معالجة مشكل التعليم بمعزل عن باقي المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية،
لأن معالجته يجب أن تكون شاملة وواقعية ومتكاملة .. في إطارها الطبيعي، لتكون المدرسة في قلب المجتمع، والمجتمع في خدمة
المدرسة، وهكذا يحدث التفاعل والتواصل أفقيا وعموديا، وبالتالي يمكن
للمدرسة أن تؤدي وظيفتها التربوية، ولكن هذا يتطلب توفر عدة شروط، ولعل أهمها
اجتماع الأمة على مشروع مجتمعي وطني وإجماعها عليه، مشروع مجتمعي ينطلق من واقع الأمة، يحافظ
لها على ثوابتها المتمثلة في مقومات هويتها الحضارية المغربية، بأبعادها المتميزة: دينيا ولغويا وتنمويا... إنه المشروع
المجتمعي الممثل لغايات الأمة، الساعي إلى تحديد مواصفات عامة للمستهدفين...
مشروع رباني المصدر لأن خطاب الله عز وجل هو الفيصل في الحكم على الحسن
والقبيح، والمباح والمحرم. فالحسن ما وافق الشرع واستوجب الثواب، والقبيح
ما خالف الشرع وزاغ عن الحق،... فكل أعمال الدنيا مقومة حسب نتيجتها في الدنيا والآخرة ....
إن معالجة مشكل التعليم لا
يقتصر على استبدال بيداغوجيا بأخرى، أو استيراد طريقة مكان أخرى، أو استبدال مراجع مدرسية
بأخرى... إن مشكل
التعليم يتطلب مجهودا جبارا، إنه يتطلب إرادة قوية، إنه يستدعي تكوين العنصر البشري أحسن تكوين، إنه يتطلب
التركيز على الجوانب التربوية واستحضارها في كل وقت وحين، ويبقى الجانب الإداري للضبط
والتنظيم، ومادام التعليم تغلب عليه المكتبية والإدارة فإنه مازال في حاجة إلى وقفات تقويمية، إن استحضار التربية
وتغليبها جانب أساس في المدرسة المغربية، وإن كنت لا أدعو إلى إلغاء الجانب
الإداري، لأن الجانب التربوي لا يمكن أن يضبط إلا بالجانب الإداري التنظيمي
ومن خلاله، فهما أمران يكمل بعضهما البعض، ولكن دون أن نغلب جانبا على جانب، لأن كلاهما
يؤدي إلى تربية الأجيال، هؤلاء الأجيال هم قطب الرحى، وحولهم تدور العملية التعليمية، لذا لابد أن يربوا على تحمل المسؤوليات
ولن يكون ذلك إلا بتعويدهم على اقتحام العقبات، ولن يكون ذلك إلا بإيجاد
تعليم وظيفي، يمكن من خلاله إكساب المتعلم جملة من الكفايات التي من شأنها جعله يواجه
الحياة بقوة المشاركة والإبداع .
1 - إنه مشروع مجتمعي واضح الرؤيا، بمعنى لابد من الارتكاز على فلسفة تربوية واضحة
تنطلق من حاجات الأمة وتستجيب لمتطلباتها... فلسفة
تربوية تتسم بالاستقلالية، وتروم تحقيق أهداف وطنية
وقيم ومثل ومبادئ سامية. 2 - إنه مشروع مجتمعي يروم إكساب
الأجيال القوة من خلال تمثلهم للكفايات الثقافية
والتكنولوجية القمينة بإحداث إقلاع تنموي ... وهكذا تصبح الأمة قوية، بفضل المعرفة والعلم، قال تعالى: ﴿ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من
أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ﴾ سورة الرحمن، الآية 31.لا يمكن أن نحقق
مبتغانا إلا بالسلطان، إنه العلم والعلوم ... 3 - إنه مشروع واقعي، ذو مرجعية أصيلة،
يتم فيها الانطلاق من واقع المغاربة، ويراعي
حاجاتهم خاصة النفسية والثقافية... ولكن شريطة أن يروم التغيير نحو الأفضل،
وليس الرضوخ للأمر الواقع
.. 4 - إنه مشروع نروم من خلاله تعميم
التعليم، وليس التعميم هو إيجاد مقعد لكل طفل مغربي
فقط، إنما التعميم أشمل من ذلك بكثير، إنه تعميم المعارف المفاهيمية
والمهارية والروحية... إنه مبدأ تكافؤ الفرص... إنه مبدأ توحيد المدرسة المغربية ... 5 - إنه القضاء على الأمية بكل
أنواعها: الأمية الأبجدية والأمية التاريخية، إنه
القضاء على الأمية الدينية، ولابد أن أشير إلى أن التطرف؛ بكل أنواعه؛ مكانه وميلاده الأمية، فالأمية هي سبب كل تخلف، ولا يمكن أن نسير
خطوة واحدة إلى الأمام بشعب مازالت تتفشى به الأمية ...إنتعميم التعليم بمعناه الحقيقي يجب أن يطال جميع أبناء الشعب كما
وكيفا ... وقتئذ يوجه المتوسطون من المتعلمين إلى التكوين المهني قصد إرساء
قواعد التنمية، بينما يواصل النبغاء والموهوبون دراساتهم العليا ... إن
الحكم الفيصل بين أبناء الشعب المغربي يجب أن يكون تربويا محضا. لا دخل
فيه للجانب المادي. 6 - إنه مشروع يتطلب منا بناء
المفاهيم وتأصيلها، بعد فهمها وتفحصها والتدقيق
في كيفية تطبيقها، يتم خلالها مراعاة إمكاناتنا المادية والبشرية،
من أجل العمل على الرقي بها نحو الأفضل. وخلاصة القول إن
التعليم جزء أساس من مشروع مجتمعي تنموي ذي أبعاد عقدية فكرية اقتصادية سياسية وثقافية إعلامية اجتماعية وعلمية تكنولوجية دون
إغفال الجانب التربوي، هذا المشروع الحضاري يجب أن ينطلق من مبادئ الأمة وثوابتها الذاتية، المتمثلة في مقومات هويتنا الحضارية: اللغة
والدين ...وعليه أن يسعى إلى التطلع لقيادة الإنسانية، ولن يكون ذلك إلا
بدراسة شاملة لحاجيات المجتمع، ومن تعبئة شاملة لعموم الشعب ولكل ثروات
البلاد، ومن غرس الحس الوطني الغيور عن واقع الأمة ومستقبلها وعن أجيالها.