عوائق التواصل البيداغوجي
تعريف :
العوائق جمع عائق، وهو ما يعوق الفكر أو الإدارة من شواغل داخلية أو موانع خارجية تمنع تحقيق الهدف أو تحول دون اكتماله.
شروط وضمانات
إذا كان هذا هو تعريف العائق بصورة عامة : البيداغوجي منه وغير البيداغوجي، فإنّ تساؤلات كثيرة تبقى مطروحة لا يجاب عنها بمجرد التعريف، فكيف نستطيع اكتشاف العوائق والصعوبات المانعة من التواصل البيداغوجي ؟ وكيف نتفهم طبيعتها ونتعرف أنواعها ؟ وما هي الضمانات الكفيلة بحماية نشاطنا التربوي من تأثيراتها ونتائجها ؟
تقويم التواصل :
أولى الخطوات التي ينبغي قطعها في طريق اكتشاف عوائق التواصل البيداغوجي تتمثل في تقويم التواصل وهو غير تقويم عمل التلميذ إذ هو عبارة عن جملة من المتابعات الحينية والملاحظات الفورية اليقظة، تتناول كل فرد من أفراد جماعة المتلقين أو المتعلمين في استقلال عن غيره، لاختبار مدى استجابته، بينما يبقى تقويم عمل التلميذ نشاطا تقويميا لاحقا يهتم بقيس مكتسبات المتعلمين فرادي أو مجتمعين، وتحديد نوعية التغيرات الوجدانية أو المهارية الحاصلة لكل منهم :
ويتحقق اختبار الاستجابة من خلال مراقبة مظاهر أربعة :
1) ما يصدر عن الملتقى من أقوال وأفعال، ومهارات يتعامل بها مع الرسالة البيداغوجية الموجهة إليه
2) نوعية إجاباته عن الأسئلة الموجهة إليه حول فهم محتوى الرسالة أو تحديد مكوناتها.
3) ما يطرحه المتلقي تساؤلات وما يثيره من إشكاليات ذات علاقة بمضمون الرسالة
4) ما يتخذه المتلقي من مواقف ومبادرات وردود فعل تجاه الباث أو تجاه الرسالة
ولا مناص للمربي اليوم من استخدام هذه الوسائل الأربع مجتمعة أو متعاقبة في الحصة الواحدة، ولا يمكنه الاكتفاء ببعضها عن البعض الآخر لما يكتنف سلوك المتعلمين من تظاهر وادعاء. فقد يظهر المتلقي الانتباه وهو غير منتبه، وقد يحاول تأكيد فهمه مضمون الرسالة وإدراكه مكوناته، والحال أنه غير فاهم، إلى غير ذلك من ضروب المغالطة التي يعرفها المربون من تلاميذهم.
لذلك كان استخدام هذه الوسائل الأربع ضروريا متأكدا، حتى إذا أفلت المتلقي من رقابة بعض الوسائل أو غالطها لم يفلت من رقابة البعض الآخر.
وبكثير من الإجمال والاختزال فإن المربي الذي يسيء استخدام هذه الوسائل أو يكتفي ببعضها عن البعض الأخر تقويم نوعية التواصل البيداغوجي الحاصل بينه وبين تلاميذه، ومن ثم يستحيل عليه تعرف الصعوبات واكتشاف العوائق التي منعته من تحقيق التواصل المطلوب، أو قلّلت من جدواه وقلّصت من نتائجه.
ولابدّ من الإشارة إلى ما يتطلبه تقويم التواصل البيداغوجي من المدرس من يقظة ذهنية ومن حيوية ونشاط، وحركة في المجال البيداغوجي، واقتراب من هذا التلميذ تارة ومن ذاك تارة أخرى، ومن إقبال على هذا حينا وعلى ذاك حينا آخر، بحيث لا يستقيم اختبار الاستجابة لمدرس خيّر الجلوس على الكرسي أو على حافة مكتبه، ولا لمدرّس يلازم وضعا واحدا في الفصل لا يغيّره أو يلازم السبورة لا يغادرها، ولا يستقيم تقويم التواصل لمدرّس دفن وجهه في الكتاب المدرسي أو في الوثيقة المنهجية أو في مذكرّة إعداد الدرس فهو يتجول بها في الفصل ولا يستطيع أن يتكلم إلا منها.
فهم طبيعة التواصل :
قد يكون الخلط بين أنواع التواصل البيداغوجي، والاكتفاء بأدناها على أعلاها واحدا من أقوى عوائق التواصل، لذلك لا بد للمربي الناجح من استيعاب صنافات التواصل وتعرف الأنواع المكونة لكل صنافة من تلك الصنافات حتى لا ينخدع بما يشبه التواصل فيعتبره تواصلا، ويكتفي به، ونكتفي من ذلك بالصنافتين التاليين :
1) تصنيف أول يصنف التواصل حسب العلاقة التي يقيمها – أو يقوم عليها – بين الباث والمتقي، إلى ثلاثة أنواع :
1-1 : تواصل عمودي هو قوام التربية التقليدية، وهو نوع من التواصل لم يعد مستساغا في غير خطب الجمعة ونشرات الأخبار، ولكنه مع ذلك لا يمكن الاستغناء عنه نهائيا في التربية الحديثة فهو مفتاح لابد منه للمرور إلى ما بعده، يحتاجه المربون في جميع الاختصاصات اللسانية والفكرية والاجتماعية والعلمية على السواء، لإعداد الوضعيات التطبيقية ولتوفير منطلقات الدخول في الدرس، ونحتاج إليه لفتح النوافذ اللازمة لفهم النص أو استقراء الوثائق والبدائل التشخيصية. وعلى العموم فإن التواصل البيداغوجي الناجح هو الذي تتداخل فيه الأنواع الثلاثة بوعي ومهارة، فلا سبيل إلى الدخول في تواصل أفقي سليم ولا إلى الدخول في تواصل مفتوح متنوع الاتجاهات دون المرور لمرحلة التواصل العمودي الذي لا يجوز أن يأخذ أكثر من لحظات موزعة بإحكام على أجزاء الحصة وخطوات الدرس توجه مسار الدرس، ولا تتحكم في بناء مضامينه.
1-2 :تواصل أفقي هو قوام الطريقة الاستجوابية يتحقق بين المدرس من ناحية وبين أفراد المتلقين من ناحية أخرى بحيث يعمل الأستاذ على توزيع لحظات التواصل بينه وبين أكبر عدد ممكن من تلاميذه، ولكنه يبقى دائما هو السائل ليضل التلميذ طوال الحصة هو المجيب. غير أنه يتحتم التنبيه إلى بعض المحاذير التي تكتنف هذا النوع من التواصل، فرغم قيمة الاستجواب بيداغوجيا فإنه قد يتحول إلى نوع من التواصل العمودي، والتلقين المقنّع، وذلك حين يكتفي المدرس لسؤاله بإجابة واحدة يتصرف فيها ليكتب على السبورة عدة جمل أو عدة أسطر.
لذلك ولكي يكون الاستجواب أداة لتواصل أفقي حقيقي لابد من أن يحرص الأستاذ على توفير الشروط والضمانات التالية لبعث الحيوية في الدرس :
أ.تفكيك المعاني وعدم الاكتفاء بالاطلاقات والعموميات والعبارات الفضفاضة والمعاني الرجراجة
ب.تجزئة الأسئلة وضمان ترابطها وفق تدرج منطقي معقول
ج.الإصغاء إلى التلاميذ وحملهم على تنويع الإجابات واستخراج ما لديهم من أفكار وتصورات
د.عدم الاكتفاء بالاجابة الواحدة ولو كانت صائبة
هـ.الحرص على تغليب المعلومة الشفوية على المعلومة الكتابية حتى لا يثقل كاهل تلاميذه بكثرة النقل والكتابة فيعوقهم عن النشاط الذهني وعن المشاركة الفاعلة وممارسة التواصل الحقيقي
1-3 : تواصل مفتوح متنوع الاتجاهات هو قوام الطرق النشيطة القائمة على الملاحظة الحية والتجربة المباشرة والممارسة الشخصية. و يكون فيه المدرس مجرد عنصر من عناصر المجموعة يساعد ويوجه ولا يفرض شيئا من عنده، ولا يقدم حلولا جاهزة من صنعه أو من صنع غيره.
هذا النوع من التواصل المفتوح يتمتع بالأولوية المطلقة في الدروس ذات الصبغة التجريبية والمرتبطة بملاحظة ظواهر واقعية : طبيعية كانت أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، لكنه لا يمكن أن يتمتع بنفس الأولوية في الدروس ذات الصبغة النظرية التجريدية ولا في الدروس المتعلقة بالمغيبات سواء في ذلك معالجة أحداث الماضي أو الخوض في الماورائيات أو التعامل مع القيم والأحكام غير المرئية.
على هذا فإذا أخفق المربي أو أخطأ، فوضع أي نوع من أنواع التواصل في غير إطاره البيداغوجي، أو حاول القفز على ما لابدّ من المرور به، فإنه يخلق لنفسه ولتلاميذه صعوبات إضافية، ويتسبب في ظهور عوائق تمنع التواصل، بدل أن يوفّر الظروف المساعدة عليه، ومن هذا القبيل محاولة إقامة دروس السيطرة على سير الدرس، ويستحيل التحكم في الوقت، إذ ليس هناك حدود مادية أو ضوابط واقعية مشاهدة يتقيد بها التلاميذ في تساؤلاتهم، لذلك فإن طبيعة القضايا التي تعالجها المادة تحتم الاكتفاء بالاستجواب واعتماد التواصل الأفقي الذي يقوده المدرس ويوجهه بأسئلته ثم لا مانع بعد ذلك من إتاحة الفرصة للتساؤل والنقد والمناقشة وإثارة بعض الإشكاليات وفي ذلك كفاية لتحقيق الإضافة النوعية دون حياد عن المسار الطبيعي للدرس، ودون خروج عن الموضوع.
2) تصنيف ثان يصنف التواصل البيداغوجي على أساس طبيعته إلى ثلاثة أنواع أيضا :
2-1 : تواصل عرضي طارئ يحدث نتيجة بعض الأفكار العابرة أو المعلومات
والمواقف العارضة بصورة عفوية مفاجئة لم يقصدها المدرس ولم يخطط لإثارتها أثناء إعداد الدرس والقيام بعملية النقل البيداغوجي. وربما لم يكن ينتظرها ولم يتوقعها، ومن ذلك جر التلاميذ الأستاذ للخوض في مسائل وقضايا هامشية ذات صلة ببعض أفكار الدرس تغريهم بالحديث فيها ومناقشتها ويعتبرونها من المسائل الحيوية.
2-2 : تواصل انطباعي يعبر فيه الباث عن انطباعات ذاتية تتصل بشخصه أو تتعلق ببعض تلاميذه أو كلهم، تكون غايته منها استثارة هممهم أو لومهم أو تهديدهم، أو يسعى من خلالها لتحديد موقفه الشخصي من بعض الأفكار والقيم المتعلقة بالدرس.
وهذا النوع من التواصل الانطباعي ما يزال له حضور مكثف في دروس التربية والتفكير الإسلامي حيث ما يزال الأستاذ يتبنى المواقف والأفكار أو يناهضها، ولا يقف موقف المحلل المحايد، ليمكن تلاميذه من تحديد مواقفهم بتلقائية واختيار حر، وليساعدهم على تحقيق التنوع الفكري.
2-3 : تواصل مقصود مخطط له مسبقا محدد الأهداف واضح التصور لتأثير المراد إحداثه في ذهن المتلقي أو في نفسه، أو في خبرته وقدراته المهارية، وهو التواصل البيداغوجي الفاعل المعني في هذا البحث.
النظام العلامي للتواصل :
كذلك تتوقف سلامة تقويم التواصل واكتشاف الصعوبات والعوائق التي تعترض سبيله على جملة المبادئ التالية :
1- اقتناع المربي بأن اللغة ليست النظام العلامي الوحيد للتواصل، وليست الأداة الأفضل دائما.
2- مدى حرصه، ومدى قدرته على استخدام الوسائل والعلامات غير اللغوية.
3- مدى توفّقه في ترشيد تلاميذه وإقدارهم على فهم العلامات الماوراء لغوية، وعلى استعمالها وإثراء التعبير بها.
4- مدى قدرته على تحقيق التوازن بين مختلف الوسائل العلامية واستخدام كل منها في الموقف المناسب والاطار المناسب، تلك الوسائل التي يمكن تصنيفها على النحو التالي :
4-1 : وسائل سمعية : أ- وسائل لغوية منطوقة
ب-وسائل ما وراء لغوية هي بمثابة قرائن أحوال تصاحب الخطاب فتوحي بمعاني قد تكون أعمق وأكثر دلالة مما تعبر عنه الألفاظ المنطوقة (نبرة النطق – طبقة الصوت، نسق الكلام … الخ)
ج-أصوات غير لغوية : آهات تعجب، أهات توجع أو تفجيع، ضحك، صفير، بكاء …الخ)
4-2 : وسائل بصرية : أ- علامات تواصل مباشر (ملامح الوجه – نظرات العينين – حركات البدن – حركات الأعضاء – أوضاع الجسم …الخ)
ب- وسائل لغوية مكتوبة
ج- وسائل ما وراء اللغة المكتوبة (قراءة ما بين السطور) وهي دلالات يفصح عنها السياق، واختيار ألفاظ وصيغ بعينها، أو تطلب عن طريق دلالات التلازم والاقتضاء … الخ)
د- وسائط وبدائل تشخيصية
هـ : مؤشرات ورموز
و- علامات شبه بصرية تدرك ببقية الحواس الخمس (لمس، ذوق، شم) مما لا تستغني عنه التجربة الحسية المباشرة
5- وظيفة التربية الحديثة : وتتوقف على مدى اقتناع المربين بأن المتعلم لم يعد مطالبا بمعرفة كل ما يعرفه أستاذه أو ما يريد له أن يعرفه، وليس هو مطالبا حتى بمجرد الاقتناع بوجاهة الأفكار والمواقف المعروضة عليه، وهذا هو ممكن الصعوبة ومصدر الكثير من عوائق التواصل المترتبة على مبدأ واحدية الحقيقة الذي يسيطر على أذهان الكثير من مدرسي التربية والتفكير الإسلامي حيث تقدم الحقيقة بالجملة ويحمل التلاميذ على قبولها والتسليم بها دون تجزئة، ودون تفكيك أو تحليل، وفي غياب كلي للمناقشة وللبعد النقدي مما يتعذر معه بعث الحيوية في الدرس ويمتنع معه التواصل النشيط المفضي إلى توسيع مشاركة التلاميذ.
أنواع العوائق والصعوبات
تتوقف معالجة عوائق التواصل البيداغوجي، والاحتياط لها على مدى فهم المربي طبيعتها، ومعرفة أنواعها، وقدرته على تصنيفها، وتبيّنه حدود كل منها ووظيفته، وفي هذا السياق يمكن ملاحظة صنافات ثلاث رئيسية تنتظم أنواع العوائق :
تصنيف أول تصنيف فيه عوائق التواصل حسب طبيعتها إلى نوعين :
1- عوائق داخلية : وهي في جملتها ثلاث مظاهر أو تجليات :
1-1 : عوائق داخلية ذات صبغة نفسية نابعة من ذات الباث أو كامنة في نفس المتلقي وتتمثل في جملة العوامل النفسية كالخجل والاضطراب، والشعور بالحرج، والخوف، وعدم الإحساس بالحرية والتلقائية.
منها ما هو طبيعي في نفس المتلقي، ومنها ما يتسبب فيه الباث أو المدرس بتصرفاته غير المدروسة، وعدم مراعاته قواعد بيداغوجيا الفوارق، ذلك أن مدرس المجموعة يجد أمامه خليطا من التلاميذ المختلفي الشخصيات والتكوين النفسي. وإنّ قمعه للمغرور المتعالي أو تتفيهه لإجابة الثرثار لسوف تكون له آثاره على الخجول والجبان وضعيف الشخصية فتقتل فيهم روح الرغبة في المشاركة، فيكون ذلك من أقوى موانع التواصل بينهم وبين الأستاذ.
1-2 عوائق داخلية ذات صبغة ذهنية وتتمثل في جملة العوامل الذهنية مثل قصور المتلقي عن فك الترميز، ومثل اختلاف المرجعية وتباين المفاهيم بين الباث والمتلقي.
1-3 عوائق داخلية ذات صبغة وجدانية وتتمثل في جملة المشاعر والأحاسيس الجاذبة أو المنفرة وفي مقدمتها تأثير الأستاذ في نفوس تلاميذه بشخصيته وهيئته ودرجة حيوية مما يشدهم إليه ويرغبهم في التواصل معه أو ينفرهم منه ويصرف نفوسهم عنه.
2- عوائق خارجية : وهي جملة الموانع المادية التي تعيق التواصل أو تمنع فاعليته، ومنها :
2-1 : قصور في وسائل التبليغ لدى الباث
2-2 :ضعف وسائل الاستقبال لدى المتلقي
2-3 : صعوبات تتعلق بمضمون الرسالة البيداغوجية أو بشكلها وبنيتها
2-4 : عوامل معيقة يشتمل عليها المحيط الذي يكتنف العملية التواصلية
2-5 : عوامل متولدة عن الوسط الثقافي والمستوى الحضاري
تصنيف عوائق التواصل حسب مصدرها :
1- صعوبات نابعة من مضمون الرسالة أو من مبناها وشكلها
2- عوائق تتصل بذات الباث أو بسلوكه ويندرج ضمنها كل ما يترتب عن النظام العلامي المستخدم وتقنيات التواصل
3- عوائق تتصل بذات المتلقي
4- عوائق وصعوبات مصدرها المحيط المدرسي أو المحيط العام الذي يكتنف المدرسة
5- عوائق وصعوبات تتربت عن نوعية التنظيم والتنظيم والتيسير ونوعية التراتيب المدرسية والنظام الداخلي أو النظام العام للمؤسسة المدرسية
ويمكن تصنيف جملة تلك العوائق المشار إليها في الصنافتين السابقتين إلى نوعين :
1- عوائق مشتركة بين مختلف الاختصاصات المدرسية والمواد التعليمية
2- عوائق خاصة تقتضيها طبيعة مادة بعينها أو يقتضيها استعمال نظام علامي معين لا تمثل عائقا في غيره، فضعف السمع لدى المتلقي لا يمثل عائقا عند اعتماد نظام علامي بصري وقل مثل ذلك في ضعف البصر عند اعتماد وسائل سمعية، والخلل المتعلق بنطق المدرس أو نطق التلميذ لا يكون له تأثير ذو خطورة على تعلم التقنيات والمهارات وتعليمها.
عوائق مصدرها الرسالة
الصعوبات المتعلقة بمضامين الرسالة البيداغوجية أو بشكلها ومبناها هي أعقد الصعوبات وأكثرها تشعبا، ويمكن تصنيفها إلى نوعين رئيسيين :
عوائق نصبة تتعلق ببنية الرسالة وتقديمها المادي، نذكر منها :
1- استخدام نظام علامي غير محيّن، ومنه استعمال مصطلحات غير محينّة أو غير دقيقة الدلالة وقد يكون لنا من الألفاظ والمصطلحات المتداولة في دروس الزكاة في مادة التربية الإسلامية أوضح الأمثلة لهذا النوع من العوائق والصعوبات فما يزال مدرسو هذه المادة يتمسكون باستعمال أسماء لمكاييل ومقاييس لم تعد مستعملة مثل : المد والصاع، والأوسق )جمع وسق(، وقوت أهل البلد … الخ، ومازالوا يصرون على استعراض مصارف للزكاة لم يعد لها وجود إلا في كتب الفقه القديمة مثل (المؤلفة قلوبهم، والغارمين، والعاملين عليها، وفي الرقاب) فجميعها أسماء لا توجد لها اليوم مسميات على أرض الواقع، ولو يعد لها تداول في غير النص القرآني، المر الذي يجعل استخدامها والتعبير بها في لغة الدرس مثارا لصعوبات إضافية ومصدرا لعوائق تمنع التواصل وتحد من فهم الرسالة البيداغوجية الموجهة من المدرس إلى تلاميذه، ولا حل لهذه المشاكل إلا بتحيين هذه المصطلحات وتعويضها بما يؤدي معناها مما هو متداول في حياتنا اليومية.
2- استخدام عبارات فضفاضة ليست لها دلالات محددة، ويمكن أن يفهم بفهوم مختلفة تكون سببا في اختلاف المرجعية بين الباث والمتلقي من ذلك عبارات : التقوى – الصدق – الصبر – القناعة – بر الوالدين – التكافل – التعاون – الإحسان. فبعض هذه الألفاظ قد ضاقت دلالتها وانحصرت معانيها حتى فقد مضامينها الشرعية والحضارية، وبعضها قد اتسعت دلالاتها حتى أصبحت عبارات فضفاضة ذات معاني رجراجة ليست لها حدود متفق عليها. وهذا النوع من الصعوبات كثيرا الحضور في دروس التربية والتفكير الإسلامي لا يكاد يخلو منه درس، وهو ليس معيقا للتواصل البيداغوجي فقط، وإنما معيق للمادة كلها عن تحقيق الأبعاد الفكرية والحضارية المرادة من غالب دروسها.
3- التعقيد والغموض، وهما يأتيان إما نتيجة للاكتفاء بالتلميح عن التصريح مثلما هو الحال عند الحديث عن موجبات الغسل، ونواقض الوضوء في دروس العبادات من مادة للتربية الإسلامية. وإما نتيجة الإسهاب والتطويل حيث تشتمل الرسالة البيداغوجية على فائض من الكلام أو من الرموز، لا تقتضيه مضامين الرسالة، وإنما يعالج مثل هذه العوائق بتحديد الكفايات الأساسية للدرس. وضبط حدود المعارف الواجب الاكتفاء بها فيه حتى لا يكون هناك اختزال مخلّ ولا تطويل مملّ.
4- الاكتفاء بالمعارف الجاهزة والحقائق الثابتة على حساب الأبعاد المنهجية والنتائج الحضارية مما يفضي إلى الغفلة عن تنمية الملكات الذهنية، وإهمال الأهداف الحقيقية للدرس، وهي المتمثلة في ترقية المفاهيم والتصورات وتنمية النزوع إلى المرونة العقلية، ومنع المعارف الجاهزة والمسلّمات النقل&