في كل يوم يجري تناقل مئات الملايين - إن لم نقل المليارات - من الرسائل الإلكترونية عبر العالم، بين الأصدقاء والأقارب والشركات· ولكن إن كنت تحسب أن بريدك الإلكتروني يتمتع بأية خصوصية وسرية فعليك إعادة النظر باعتقادك، فقد يكلفك هذا الاعتقاد غالياً· فسرية البريد الإلكتروني ليست بأكثر من سرية بطاقة المعايدة التي ترسلها مفتوحة إلى كل أنحاء العالم! وفيما توجد في أغلب الدول قوانين تحرم التنصت على المكالمات الهاتفية مثلاً، لا توجد في غالبية هذه الدول قوانين واضحة تمنع الاطلاع على البريد الإلكتروني للناس، بل لا توجد آليات للتأكد من ذلك أساساً· طريق طويلة تسلك الرسالة الإلكترونية التي نرسلها طريقاً طويلة تتوقف خلالها في العديد من المحطات في كومبيوترات تكون على طريقها إلى وجهتها النهائية· وفي كل توقف لتلك الرسالة يمكن للعيون المتطفلة اعتراضها وقراءتها· ونحن هنا لا نتحدث عن الأقمار الاصطناعية التجسسية التي تشفط كل أنواع البريد الإلكتروني والاتصالات، والبرامج التي يتم تنزيلها من الشبكة، بهدف تحليلها ودراسة ما هو خطير منها·· بل نتحدث عن المحطات العادية المنتشرة في كل أنحاء العالم، والتي لا بد لكل رسالة إلكترونية من المرور عليه قبل الوصول إلى مبتغاها· ولعلك تسأل: ماذا يدفع الناس لقراءة بريد غيرهم؟ والجواب هو لذة التلصص لدى القراصنة وضعاف النفوس، والمنافسة التجارية بين الشركات· فالمعلومات المرسلة في البريد الإلكتروني قد تحتوي معلومات تجارية سرية· وقد قيل إن القوة هي في امتلاك المعلومات· أين تذهب الرسائل؟ وحتى بعد أن تستلم رسالة وتقرأها ثم تقوم بحذفها أو محوها فإنها لا تتلاشى تماماً· إذ يقوم الكثيرون من مقدمي خدمة الإنترنت بأرشفة الرسائل الإلكترونية لفترة من الوقت بغية العودة إليها إذا تطلب الأمر· وقد تُعطى هذه الرسائل المؤرشفة في بعض الحالات إلى الشرطة أو الأجهزة الأمنية في حال الشك في موضوع معين· وإذا كنت تعمل في شركة كبرى، فإنك قد تضغط على زر محو لمحو رسالتك، ولكن رسالتك تبقى موجودة في النظام المركزي للشركة· ولعل تلك النكات المقذعة حول مديرك، والتي تتداولها مع زملائك في العمل من خلال البريد الإلكتروني، لعلها توضع بعد أيام على مكتب المدير نفسه، الذي سيجد فيها سبباً مضافاً لطردك من العمل! ذلك أن الرسائل المتبادلة ضمن الشركات نفسها لا تنطبق عليها حتى تلك القوانين الهزيلة التي تكاد لا تضمن شيئاً من الخصوصية والسرية· درهم الوقاية! لذلك كله فإن درهم وقاية هو بالتأكيد أفضل من قنطار علاج بعد أن تقع الفأس في الرأس! وحتى تضمن عدم وقوعك في أي حرج أو مساءلة، وعدم خروجك إلى الشارع بعد أن تفقد عملك·· يجدر بك اتباع بعض الخطوات الاحترازية· وأول هذه الخطوات هو اعتبار البريد الإلكتروني بمثابة بطاقة معايدة مفتوحة يمكن لكل من مرت بيده أن يطلع عليها إذا توفر له الوقت والاهتمام! فهل يمكنك أن ترسل معلومات سرية في بطاقة معايدة مفتوحة؟ كلا بالتأكيد· الأمر الثاني هو استخدام بعض برامج الترميز لترميز رسائلك بحيث لا يمكن لأحد غير من أُرسلت إليه أن يقرأها· ويمكن الحصول على مثل هذه البرامج الجيدة مجاناً من موقع ·/ هُْ·ىِهِ·ٌٌٌّّّ//:ُُِّّو وتأكيداً لخصوصيتك حاول دوماً التدقيق في كلمة سر التي تستخدمها لبريدك، واختيار الكلمة المناسبة التي يصعب على الآخرين التنبؤ بها· وفي هذا الإطار يجب الابتعاد مثلاً عن أسماء الأقارب، كأن تضع اسم أمك أو أبيك أو طفلك أو عيد ميلاد ككلمة سر· فأفضل كلمات السر هي تلك التي لا تحمل أي معنى، والتي تُستخدم فيها الأحرف والأرقام بشكل شبه عشوائي· كما يجب تجنب استخدام كلمة السر الخاصة ببريدك الإلكتروني في مجالات أخرى يُطلب منك فيها تقديم كلمة سر خاصة بك، كبعض الاشتراكات أو الخدمات التي تعرضها بعض المواقع على الشبكة· إذ يجب عليك أن تضع لكل موضع كلمة السر الخاصة به، لأن الآخرين قد يحاولون دخول بريدك الإلكتروني باستخدام كلمة السر التي استخدمتها للاشتراك في مجلة مثلاً، أو في موقع خدمات برامجية أو غير ذلك· صحيح أن تذكر العديد من كلمات السر الخاصة بكل موقع يصبح أمراً صعباً تماماً، غير أنه أكثر أمناً·· ولحل هذه المشكلة يمكنك كتابة كلمة السر الخاصة بكل حالة في دفتر صغير تضعه في مكان أمين· وأخيراً، لعل مثل هذا الانكشاف وعدم الحصانة التي يتعرض لها البريد الإلكتروني بصفة خاصة يقنع البعض بالتحلي ببعض الكياسة والاعتدال في تناول الكثير من الموضوعات عبر البريد الإلكتروني· إن لم يكن تحلياً بالأخلاق العربية الإسلامية وبسلوكيات الإنسان المتحضر، فخشية من الفضيحة والتبعات المذلة للبريد البذيء أو المسيء للنا ( مقهى الانترنت )